الرباط ـ الدارالبيضاء اليوم
تمكن باحثون مغاربة من تطوير أول اختبار للكشف عن داء السل مغربي الصنع 100 بالمئة، يقدم النتيجة في وقت قياسي ويمكنه تحليل 12 عينة دفعة واحدة. وأفادت المؤسسة المغربية للعلوم المتقدمة والابتكار والبحث العلمي المعروفة اختصارا بـ"مصير" والتي تقف وراء هذا الإنجاز، أن الجهاز يتميز بالسرعة، حيث يمكنه تقديم نتيجة التحليل في وقت لا يتجاوز 30 دقيقة. وقبل بلوغه مرحلة الإنتاج خضع الجهاز إلى عدة اختبارات للتحقق من نجاعته في الكشف عن داء السل، حيث تمت المصادقة عليه من طرف معهد "باستور المغرب"، وتسجيله بمديرية الأدوية والصيدلة في وزارة الصحة المغربية. ويعد تقليص نسبة الوفيات الناجمة عن داء السل، من بين أهداف المخطط الاستراتجي للوقاية من السل ومكافحته للفترة ما بين 2021-2023، ولتحقيق هذا الهدف يعمل المغرب على تعزيز الفحص والتشخيص المبكر، وتسهيل الولوج إلى العلاج. وتشير أرقام رسمية لوزارة الصحة المغربية إلى تسجيل أزيد من 29 ألف حالة إصابة بداء السل في المملكة خلال عام 2021. ويعتبر الأشخاص الذين يشتكون من ضعف في جهاز المناعة أو نقص في المناعة المكتسبة (الإيدز)، الأكثر عرضة للإصابة بداء السل، حسب الأطباء، بحيث ينجم المرض عن جرثومة تصيب الرئتين بشكل خاص وتتكاثر فيهما.
سنوات من الأبحاث والتجارب وقد تم تطور جهاز الكشف عن داء السل من طرف الشركة الناشئة Moldiag داخل مختبرات مؤسسة "مصير" (مؤسسة غير ربحية) التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، وسيمكن الأطر الطبية والمختبرات من الاستغناء عن طرق الفحص التقليدية التي تتطلب أزيد منة 8 ساعات للحصول على النتائج. ويقول المهندس منير وطاسن، مدير تطوير المعاملات ونقل التكنولوجيا بمؤسسة "مصير" المغربية، إن المؤسسة تهدف للقيام بمجموعة من الأبحاث العلمية التطبيقية في مجال المواد والتكنولوجيا الحيوية والإلكترونيات الدقيقة وتعمل على تطوير مجموعة من المشاريع والبرامج ذات الأهداف المختلفة، من بينها الخاصة بتعزيز الترسانة الصحية في المملكة، للمساهمة في مواجهة بعض الأمراض سواء داخل المغرب أو خارجه، وخصوصا في إفريقيا.
ويشير وطاسن في تصريح لمصدر إعلامي إلى أن فريق البحث في مؤسسة "مصير" وقف على مدى الخطورة التي يشكلها مرض السل على الصحة العامة حيث تسجل أكثر 29 ألف إصابة سنويا في المغرب، وكذلك وقف على افتقاد عملية التشخيص للسرعة المطلوبة. ويضيف المتحدث، أنه بناء على تلك المعطيات اشتغل فريق البحث رفقة فرق أخرى داخل المؤسسة على تطوير جهاز متكامل لكشف داء السل، يتكون من سائل بيولوجي وجهاز الكتروني للقيام بالعملية في وقت وجيز.
ويقول وطاسن، إن إجراء اختبار داء السل عبر الجهاز الإلكتروني يتم اعتمادا على تقنية "LAMP" حيث تخضع العينة لدرجة حرارة دقيقة، قبل الوصول إلى النتيجة في غضون 30 دقيقة، مع إمكانية تحليل 12 عينة دفعة واحدة.
ويلفت المهندس المغربي، إلى أن تطوير هذا الجهاز الذي أطلق عليه اسم "MAScIR TB SS LAMP" عبر مرحلتين أساسيتين، أولها التمكن من التكنولوجيا المستخدمة والتي تطلب العمل عليها 5 سنوات، ثم تطوير الجهاز في مرحلة ثانية، والتي استغرقت حوالي سنتين. ويبرز وطاسن، إلى أنه من بين الخصائص التي تميز الجهاز إلى جانب تشخيصه الدقيق والسريع للداء، إمكانية حمله باليد مما يساعد على التنقل به واستخدامه في أماكن مختلفة، على عكس وسائل الفحص الكلاسيكية.
الوصول إلى مناطق بعيدة ويعتبر الاختبار المحمول والمقترن بجهاز إلكتروني متنقل، من بين الوسائل العملية التي يمكنها توسيع دائرة الكشف عن داء السل، خاصة في القرى والمناطق البعيدة. ويمكن استخدام الجهاز عبر ربطه بالكهرباء أو من خلال شحن بطاريته، مما سيسمح للأطر الطبية باستخدامه أيضا في الحملات والقوافل الطبية المتنقلة، لإجراء كشوفات عن المرض سواء في المدن أو القرى. وبحسب المهندس، تكتسي المدة الزمنية التي يتطلبها الكشف، أهمية بالغة في التصدي لداء السل، وإحدى التحديات التي تقف عائقا يحول دون تحقيق هذا الهدف، مشددا على أن المريض يمكنه نقل العدوى لأشخاص آخرين قبل توصله بنتيجة التحليل، والذي قد يتطلب يومين. ويؤكد وطاسن، على أن هذا الاختبار غير موجه للاستعمال الذاتي المنزلي، بل يتعين استعماله من طرف الأطر الصحية والمختبرات والمستشفيات، من أجل المساهمة في الاستراتجية الوطنية لمكافحة داء السل وتقليص نسبة الوفيات.
زيادة عدد الاختبارات
ورغم الجهود التي يبدلها المغرب من أجل القضاء على داء السل، إلا أن هذا الداء لازال يشكل تحديا أمام القائمين على القطاع الصحي في البلاد، ويحذر المختصون من الخطورة التي يشكلها هذا الداء المعدي، على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ويهدف المغرب في إطار المخطط الاستراتيجي لمكافحة داء السل إلى خفض نسبة الوفيات الناجمة عنه بـ60 بالمئة في أفق العام 2023 بالمقارنة مع عام 2015
يشدد نائب رئيس العصبة المغربية لمحاربة داء السل مولاي ادريس المسعودي على أهمية الكشف المبكر عن داء السل في مراحله الأولى، وهو ما يتيح الاستفادة من العلاج في مدة لا تقل عن 6 أشهر. ويضيف المسعودي في تصريح لمصدر إعلامي " أن اعتماد الكشف المبكر من شأنه كبح انتشار العدوى بالداء، وتجنب بلوغ مراحل متقدمة من المرض، حيث يصعب محاربة الجرثومة التي تصبح أكثر مقاومة للدواء، ولا تستجيب للمضادات الحيوية. وأوضح المسعودي أن الجهاز الجديد الذي توصلت إليه مؤسسة "مصير"، قد أثبت نجاعته خلال التجارب، حيث يمكن للمراكز الصحية استخدامه في تشخيص الداء بطريقة سريعة وموثق بها. ويشير المتحدث، إلى أن بساطة استعمال الجهاز في الكشف، من شأنها أن تزيد لا محالة من عدد الاختبارات التي يتم إجرائها لتشخيص داء السل، وبالتالي المساهمة في دعم جهود المغرب للحد من انتشار هذا الداء.
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر