آخر تحديث GMT 06:25:28
الدار البيضاء اليوم  -

في وجود قوى اللا وعي التي تجعل شراء الملابس أمرًا مثيرًا وممتعًا

عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني

عالم الموضة
باريس ـ مارينا منصف

يُعاني عالم الموضة من بعض المشاكل الجسيمة فيما يتعلق بالاستدامة البيئية، إذ من المتوقع أنه بحلول عام 2030 سيزداد استهلاك المياه في هذه الصناعة بنسبة 50 في المائة، فيصل إلى 118 مليار متر مكعب، وستزيد بصمتها الكربونية إلى 2791 طنا، وستبلغ كمية النفايات التي تنتج عنها 148 طنا.

وتأتي هذه التنبؤات على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته العلامات التجارية وتجار التجزئة للحد من التأثير السلبي للصناعة، فيستخدم الكثير منهم القطن المستدام الذي تنتجه مبادرات بغرض الحد من استخدام المياه والطاقة والكيميائيات، فضلا عن الاتجاه لتكنولوجيا الصباغة الجديدة للحد من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 50 في المائة، ويجرى تطبيق الكثير من مخططات توفير الطاقة والكيميائيات في جميع مراحل التوريد، وفي المملكة المتحدة البريطانية، بدأت نتائج هذه المجهودات في الظهور، مع انخفاض الكربون الناتج، والمياه المستخدمة بمعدل وصل إلى 8% و 7% على التوالي لكل طن من الملابس منذ عام 2012.

وبالتالي فإن الصناعة تقلل الأثار البيئية لمنتجاتها، ولكن المشكلة تحولت الآن إلى جانب الاستهلاك: فالشهية غير المشبعة للأزياء تعني أن الناس يشترون المزيد والمزيد من الملابس، منذ عام 2012 حدثت زيادة بنسبة10% في كمية الملابس التي اشتراها الناس في المملكة المتحدة البريطانية وحدها، ولا يشتري المستهلكون البريطانيون المزيد من الملابس فحسب، بل أيضا يتخلصون من ملابسهم أسرع لأنهم يطاردون أحدث صيحات الموضة، وهناك تقديرات أن ملابس بأكثر من 30 مليار جنيه استرليني مخزنة في خزائن الملابس في جميع أنحاء بريطانيا، ولم تستخدم لأكثر من 12 شهرا.                     عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني

ويعتقد الكثيرون أن الصناعة السريعة للموضة هي السبب الأساسي لجميع قضايا الاستدامة التي تواجهها الصناعة، ولذلك فقد اقترح الكثير من المعلقين والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية أن الاستهلاك الأخلاقي سوف يؤدي إلى تحول نموذجي في السلوك، وأن مع مرور الوقت سوف تصبح الصناعة البطيئة للموضة هي القاعدة، مما يجعل المستهلكين يرتدون ملابس مصنعة على الطراز الكلاسيكي لتدوم لمدة 10 أعوام، وهذا، كما يقولون، سيقلل من الحاجة إلى شراء ملابس جديدة من أحدث صيحات الموضة، وبالتالي تقليل الآثار البيئية، ويستند منطق هذه الحجة إلى فكرة أن المستهلكين حيوانات عقلانية، يمكن السيطرة على سلوكها والتنبؤ به.                     عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني

ولكن نمو مفهوم الاستهلاك الأخلاقي ليس له أثار في الاتجاه السائد في الموضة حاليا، وتعتقد العلامات التجارية المهتمة بأخلاقيات العمل أن أكبر عائق أمامهم لتحقيق قدر أكبر من الاستدامة هو المستهلكون، إما من خلال عدم إدراكهم للقضايا التي تواجهها الصناعة، أو من خلال عدم الرغبة في الدفع أكثر من أجل المنتجات المستدامة. لذا، هل يمكن أن تسود النزعة الاستهلاكية الأخلاقية في عالم الأزياء؟ قد يشير علم النفس والعلوم السلوكية إلى أن الاستهلاك الأخلاقي للأزياء أمر محتمل، وبينما تقوم القرارات الشرائية على مداولات عقلانية واعية ومدروسة جيدا، إلا إن تعقيد السلوك البشري، والطبيعة الأساسية للأزياء يشيران إلى أن الاستهلاك الأخلاقي قد لا يكون هدفا يمكن تحقيقه.

العلاقة بين الأزياء والأنا

لماذا هذا هو الحال؟                     عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني

أولا، من المهم توضيح أن أدوات التسويق مثل الاستبيانات والدراسات الاستقصائية المستخدمة للتنبؤ بنمو الاستهلاك الأخلاقي بها مشاكل، فهي جيدة لتحديد نية الشراء ولكن ضعيفة في التنبؤ بالسلوك الفعلي، إذ تميل الدراسات الاستقصائية إلى إغراء المشاركين بإعطاء إجابات تقدمهم في ضوء إيجابي: يميل المتسوقون غير الأخلاقيين إلى القول بأنهم أخلاقيون لحماية صورتهم الخارجية، وتعتمد الدراسات الاستقصائية على أن يكون المشاركون صادقين وعلى وعي بسلوكهم، وفيما يتعلق بمدى صدق البشر الأمر قابل للجدل، وتبين الأبحاث أننا لسنا على وعي بدوافع سلوكنا كما نعتقد.

إن سلوكنا أكثر أنانية بكثير مما قد نود أن نصدق، وبينما تستند النماذج العقلانية للاستهلاك على فكرة أن الأفراد يتخذون الخيارات التي تحقق أفضل توازن بين التكاليف والمنافع، سوف يستند المستهلك الأخلاقي في أخذ أحكام عقلانية بشأن المشتريات على تحقيق أفضل النتائج من حيث التكاليف والمنافع بالنسبة له والبيئة. ولكن الاستهلاك، وبخاصة استهلاك الأزياء، غير منطقي بتاتا، فقرارات الشراء أكثر عرضة لتكون مدفوعة بالرغبات المرتبطة بالمتعة والإثارة، الأزياء هي نشاط اجتماعي يحدد وضعنا في المجتمع (الدافع الأناني)، وإنما هي أيضا نشاط يقوده الرغبات العاطفية مثل الخيال والإثارة والتطلعات لعيش حياة أفضل وأكثر إشباعا.

قوى اللا وعي تلك هي ما تجعل التسوق للملابس مثيرا وممتعا، إنها تخلق نهجا أقل عقلانية للاستهلاك، يقلل في نهاية المطاف تأثير الأفكار العقلانية حول الأخلاق والآثار البيئية لعمليات الشراء التي نقوم بها.

الموضة الأخلاقية

وقد جادل الناشطون الأخلاقيون والصحافيون وحتى بعض العلامات التجارية بأن المستهلكين سيكونون قادرين على التغلب على قوى اللا وعي التي تقودهم للبحث عن المرح والإثارة إذا كان لديهم المزيد من المعلومات حول القضايا الأخلاقية المتعلقة بالاستهلاك، لكن تشير الأدلة إلى أن ذلك لا يؤدي إلا إلى زيادة السلوك الأخلاقي، وإنما في الواقع، يميل انتشار مزيد من المعلومات إلى الحد من تأثير القضايا الأخلاقية بسبب تعقيد تلك القضايا.

ويتضاعف هذا التعقيد بسبب مقدار المعلومات المتضاربة التي تقدمها المنظمات غير الحكومية ووسائط الإعلام والعلامات التجارية نفسها - القطن سيء للبيئة؛ الألياف تؤدي التسمم إلى تسمم المحيطات؛ استخدام الخيزران أخلاقي (ليس كذلك) - وعندما لا يمكن للخبراء الاتفاق على المشاكل الكبرى في مجال الأزياء، من الأسهل بكثير للمستهلك أن يغض الطرف ويشترِ هذا القميص الجديد.

وقد يكون النهج الجذري البديل هو الاعتراف بأن البشر قد استخدموا دائما الأزياء لتلبية الرغبات العاطفية، لذلك يجب أن يتحول التحدي من محاولة السيطرة على هذه السلوكيات البدائية وغير العقلانية إلى محاولة إيجاد نهج نظامي وأخلاقي يحتويها. فهل يمكن حقا أن نجد حلول مستدامة تقود إلى صناعة أزياء لا تثير الرغبات الشرائية؟ الرغبة في الملابس الجديدة شيء قد يكون من المستحيل تغييره، لذا بدلا من محاولة فرض سلسلة من الأخلاقيات المفترض وجودها لدى المستهلك، ربما يجب أن تهدف العلامات التجارية إلى استخدام تكنولوجيا جديدة ونماذج أعمال لتصميم منتجات يمكن إعادة تدويرها أو إعادة تصميمها إلى موديلات جديدة مع استخدام الحد الأدنى من المواد الخام والمياه والطاقة والمواد الكيميائية.

ما يميز هذا النموذج هو إنه لا يهدف إلى تغيير آلاف السنين من التطور في الرغبات البشرية على مدى حياة جيل واحد، بل إلى استخدام الابتكار والإبداع لجعل الصناعة تتناسب مع احتياجاتنا الأصيلة.  وهو تحد تقني وتسويقي كبير، ولكن التحول إلى مثل هذا النموذج الذي يناسب المستهلك قد يفتح فرصا جديدة للأعمال التجارية، فضلا عن جعلها أكثر استدامة.

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني عالم الموضة أمام تحديات كبرى للتقليل من الاستهلاك غير العقلاني



GMT 19:15 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 07:11 2017 الخميس ,20 تموز / يوليو

محكمة تونسية تمنع عرض فيلم "المرأة الخارقة"

GMT 11:48 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"سونوس" تسيطر على عالم مكبرات للصوت

GMT 09:59 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

سعد الدين العثماني يرفض التمديد لموظفين كبار

GMT 08:18 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

تركي يعرض صوره عن اسطنبول مستعينًا بنظريات الفيزياء

GMT 05:47 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

ميس حمدان تغازل جمهور الخليج بأغنية جديدة في 2018

GMT 08:48 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أزياء منزلية مناسبة لعطلة استرخائية في موسم الأعياد

GMT 17:32 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

انتخاب الهلالي رئيسًا للاتحاد الأفريقي للمواي تاي

GMT 16:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

افتتاح مركز طبي جديد ينهي معاناة سكان تطوان

GMT 09:56 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الأسود يقطعون 2600 كلم بين ملاعب مونديال روسيا

GMT 14:28 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"بطاقة المشجع" تعفي الجماهير من تأشيرة دخول روسيا

GMT 03:55 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تكريم نجم الكرة المغربية محمد التيمومي وفعاليات إعلامية أخرى
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca