القاهرة – الدار البيضاء اليوم
قبل أسابيع قليلة كان جمال محمد، يجلس في إحدى غرف منزله بمدينة الإسكندرية (شمال مصر) بملامحه السمراء التي أخذت من نهر النيل عذوبته، ومن ملوحة البحر خطوطًا متعرجة في وجهه تعكس قدرًا كبيرًا من خيبة الأمل في مشروعه الجديد، الذي حاول التكيف من خلاله مع تأثيرات فيروس "كورونا"، وتعطله عن العمل بمصنع للسيراميك، إذ دفعه توقف مهنته إلى تطوير هوايته التي يحبها، وقرّر رغم اقترابه من عامه الستين، العمل من منزله في صناعة مجسمات كارتونية متنوعة من مادة الجبس، مضيفًا إليها لمسته الخاصة، ليس في جوانبها الفنية فقط، لكنه خصصها لدعم مهارات التلوين.
تفشي فيروس "كورونا" تسبب في شل الحياة بالآونة الأخيرة وعطل جمال، لكنّه لم يوقفه عن الحلم، فبعدما كان يتطلع إلى قطعه الفنية المكدسة بالغرفة انتظارًا لزبائن لا يأتون، بنوع من الحسرة وعدم التفاؤل، فجأة تغيرت الأمور تمامًا عقب قيام أحد زبائنه بوضع منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يحكي قصته، وخلال ساعات قليلة، دشن أحد الشباب صفحة خاصة له ليعرض منتجاته عليها ويسوقها من خلالها في ظل صعوبات الجائحة، ليحقق جمال مبيعات مرتفعة خلال فترة قصيرة، لدرجة أنه لم يعد قادرًا على تلبية طلبات الزبائن من فرط كثرتها.
ويقول جمال محمد، صانع المجسمات إنّ "مجسمات الجبس التي أصنعها متنوعة الأشكال والأحجام، والفكرة أنّها مخصصة ليقوم الأطفال بتلوينها لتطوير مهاراتهم، ولا أحدد للطفل لونًا معينًا يجب أن يستخدمه، بل أشجعهم على استخدام الألوان التي يريدونها، كي يساهم ذلك في تنمية مهاراتهم في التلوين وتطوير خيالهم".
تتنوع المجسمات التي يصنعها جمال ما بين لعب الأطفال والشخصيات الكارتونية الشهيرة، مثل ميكي ماوس، وأيضًا "خروف العيد" الذي يلقى إقبالًا مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، وخصص غرفة في منزله للمشروع الذي تعرض لعراقيل بسبب الظروف الاقتصادية التي تسبب فيها انتشار فيروس "كورونا"، قبل أن تغير "السوشيال ميديا" الوضع تمامًا. مؤكدًا أنّه كان قبل أسابيع يجلس بالغرفة التي خصصها لإنتاج المجسمات بمنزله وقد تكدست بالمجسمات لكن بعد نشر قصته وصور مجسماته على مواقع التواصل تلقى طلبات من نحو ألف شخص يريدون منتجاته. حتى أصبحت الطلبات أكبر من قدرته على الوفاء بها، قائلًا: "أُوزّع منتجاتي في الإسكندرية فقط، لكنّي تلقيت طلبات كثيرة من محافظات مختلفة وما زلت لا أعرف كيف سأتعامل معها".
التطورات الإيجابية والانتعاشة التي شهدها مشروعه جدّدت لديه الحلم بأن يتمكن من افتتاح ورشة والتوسع في العمل لتدريب الشباب على صناعة المجسمات.
وفي محاولة منهم للتغلب على تداعيات جائحة كورونا حاول عدد كبير من الفنيين والعمال في مصر التكيف مع الأوضاع الجديدة وتغيير مهنهم، ليتمكنوا من الإنفاق على أسرهم، في الوقت الذي قررت الحكومة المصرية صرف مساعدات مالية بقيمة 500 جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل نحو 16 جنيهًا مصريًا)، لأكثر من مليوني عامل غير منظم. خلال الشهور الثلاثة الماضية.
عبد القادر عيد، صاحب أول منشور على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم صانع المجسمات، يقول لـ"الشرق الأوسط": إنّ "الاستخدام الصحيح للسوشيال ميديا يمكنه أن يساعد الكثير من الناس، ففور تدشيني صفحة لمنتجات عم جمال، انهالت عليه الطلبات من الزبائن وتغير وضعه المعيشي والعملي تمامًا".
قد يهمك ايضا :
مُبدعة مصرية تختار "المجسّمات المصغّرة" للترويج لجماليات الأبنية الأثرية
خضر شعيبات يفصح عن الصعوبات التي تواجهها مهنة الحفر على خشب الزيتون
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر