الرباط _ الدار البيضاء اليوم
كيف ينظر الشباب العربي إلى المستقبل؟ هذه المرة لسنا بحاجة إلى إجابة هاربة من أسوار البحث الأكاديمي لمنظرين انقطعت صلتهم بالشارع، فلدينا في الدورة الثالثة لمهرجان «ضي» للشباب العربي إجابة عملية مكتوبة بلغة الفن التشكيلي قدمها 200 فنان، معظمهم دون الثلاثين أو فوقه بقليل. ألوان مبهجة تشع بالبهجة والأمل، خطوط حادة تفصل بين ظلام اليأس وإشراقة التفاؤل، ظل ونور يرسم حالة جمالية مدهشة، كتلة وفراغ تعلن عن ميلاد مواهب جديدة.
المهرجان ينظمه أتيليه العرب للثقافة والفنون «ضي»، وهو مؤسسة مصرية خاصة تعنى بالأدب والفن التشكيلي ويستمر حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بمشاركة تشكيليين شباب من 14 دولة عربية، هي مصر والسعودية وسوريا والبحرين والعراق واليمن وليبيا والإمارات والكويت وتونس والمغرب ولبنان والسودان وعمان. وشملت الأعمال المشاركة مجالات الرسم والتصوير والنحت والغرافيك والخزف والفوتوغرافيا.
السمة اللافتة في الأعمال المشاركة هو كل هذا التميز الذي يتسم بها مساهمة الفنانات كماً وكيفاً، من حيث روح المغامرة الإبداعية والانطلاق إلى آفاق غير مألوفة، لا سيما في عالم البورتريه النسائي، كما يتجلى عند التشكيلية المصرية ولاء أبو العينين، حيث تمزج بين مفردات المنزل ونظرة الهدوء في عيون فتاة شابة، بينما تسترد النساء الناضجات لدى دينا عبد الواحد جزءاً من طفولتهن فيلعبن لعبة «النبال الخشبية» التي تعد من فلكلور الريف المصري، وتبدو ربة المنزل لدى لارا طهماز السورية جزءاً من جدارية مزروعة بالورود ذات الألوان الخلابة، فيما تتجلى حواء عند نورين نبيل (فلسطين) كامرأة مصنوعة من الضوء والألوان الساخنة ترنو للمستقبل بكل ثقة.
وفيما يشتغل كل من بيتر إيساف وبيشوي صلاح من مصر في أعمالهما النحتية على العلاقة الخاصة بين الإنسان والقطط، يقدم الفنان الأردني ياسر أمين، فرقة عزف موسيقي عبر تكنيك غرافيكي خاص يظهر أعضاءها ككتلة واحدة تلاحمت خيوطها مع المادة المعزوفة، كما يعود ناصر المقبالي من سلطنة عمان إلى التراث الشعبي الثري لمنطقة الخليج العربي، فيقدم عجوزاً ملتحفة بألوان زاهية تعزف على إحدى الآلات الموسيقية الفلكورية، فيما لفت الفنان أحمد مجدي الأنظار بلوحة جميلة معبرة لعامل نظافة في لحظة استرخاء والتقاط الأنفاس.
وربما كانت الملاحظة التي يمكن أخذها على هذا الحدث هو ضخامة عدد المشاركين وازدحام أروقة الغاليري بالمعروضات، ما أدى إلى صعوبة متابعة العديد منها رغم تميزها الشديد.وشدد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة أتيليه «ضي»، على أهمية إطلاق مثل هذه المبادرات الفنية التي تتبنى طاقات الشباب العربي الخلاقة في مجال الفن التشكيلي، مشيراً إلى أن «مئات المواهب من المحيط إلى الخليج تتطلع إلى فرصة حقيقية لتعبر فيها عن نفسها».
ويضيف قنديل، على أنه لا ينافس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، بل يسعى للتكامل معه من أجل نهضة الحركة الفنية العربية، موضحاً أنّه عاش في السعودية أكثر من ثلاثين عاماً، حيث تولى العديد من المسؤوليات بمجال الفن التشكيلي في مدينة جدة، وبالتالي تتوفر لديه حصيلة من الخبرات والعلاقات والتجارب التي يود توظيفها للصالح العام بعد استقراره نهائياً في القاهرة.
ومن الفنانات المشاركات بالمعرض، تؤكد نورهام عبد العزيز على سعادتها الشديدة بالمشاركة في محفل عربي يضم العديد من التجارب الثرية المتنوعة التي تفيد فنانة في مقتبل عمرها مثلها، مشيرة إلى أنّ «هذه هي الجائزة الحقيقية في هذا الحدث الكبير». ويوضح محمد زيادة، أنّه في عمله «ركاب الدرجة الأخيرة» حاول تصوير ركاب القطار بطريقة مختلفة من خلال عمل بانورامي يظهر فيه الركاب محملين بالحقائب والهموم، كما تبدو عجلات القطار ذاته بألوان غير تقليدية.
كانت لجنة التحكيم برئاسة الفنان التشكيلي د. مصطفى الفقي، قد اعتمدت جوائز المهرجان بقيمة 545 ألف جنيه مصري (نحو 34 ألف دولار)، حيث فاز بالجائزة الكبرى وقيمتها 100 ألف جنيه مناصفة كل من عبد الرحمن العجوز «نحت» ومحمد عيد «تصوير» وكلاهما من مصر.
قد يهمك ايضا:
فاروق حسني يراوغ التجريد ويحاور بيكاسو بدهشة "الكولاج"
"تجريد" بداية لسلسلة معارض فاروق حسني في القاهرة والإسكندرية ونيويورك
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر