آخر تحديث GMT 06:25:28
الدار البيضاء اليوم  -

يجمع في "فيلا عودة" أعمالاً بصرية وسمعية تحية لـ"بيروت"

معرض "الفن الجريح" ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - معرض

معرض "الفن الجريح"
بيروت-الدار البيضاء اليوم

شكل انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) الفائت كارثة طالت الحجر، كما البشر. فهو خلف وراءه الضحايا وأتى على عمارات وأحياء. دمر بيوتاً ومنازل، ومحا ذكريات عبقت بها بيروت في مناطق الجميزة ومار مخايل والكرنتينا.الفن أيضاً طاله هول الكارثة، أصيب بفجيعة وتقطعت أوصاله وضربه الشلل. متاحف تكسرت محتوياتها وغاليرهات أطبق الانفجار على أنفاسها، وعصف بلوحاتها ومنحوتاتها. ومجموعات فنية أخرى لدى أشخاص يحتفظون بها ككنز ثمين ضاعت منهم بعد أن تمزقت أمام أعينهم.
وفي معرض «الفن الجريح» (L’art blesse) في «فيلا عودة» الواقعة في شارع السراسقة البيروتي العريق، تجتمع بعض هذه القطع. هنا المعادلة اختلفت والمشهد الفني خرج إلى النور معلناً عن ولادة جديدة له.يأتي المعرض الذي يستمر فاتحاً أبوابه أمام الزوار لغاية 16 يناير (كانون الثاني) المقبل كتعبير فني جديد. فهو مستوحى من فن «كينستوجي» الياباني لعلاج الخزفيات، وإعادتها إلى الحياة بعد الاعتناء بها. ثلاثة أنواع من الأعمال يتضمنها المعرض في الطابقين الأول والثاني من فيلا عودة. فإلى جانب لوحات مستوحاة من الكارثة، أخرى أتلفها عصف الانفجار، وثالثة أحيطت بعناية فائقة، بحيث يشاهد ناظرها عبورها من الموت إلى الحياة مباشرة أمامه.

لوحات ومنحوتات موقعة من نحو 35 فناناً تؤلف محتويات المعرض الـ66 الموزعة على طابقين من الفيلا. فنشاهد أعمالاً لشفيق عبود وفريد عواد وصليبا الدويهي وبول غيراغوسيان وحسن جوني وسيسي سرسق وغيرهم مطبوعة لوحاتهم بآثار الكارثة. وآخرون أمثال هلا عز الدين ونبيل نحاس وأروى سيف الدين وهادي سي وميساك طرزيان وغيرهم رسمت لوحاتهم بعد انفجار 4 أغسطس، مترجمة تشبث أصحابها بمدينتهم وبالفن. وتواكب هذه الأعمال تغليفة فنية حديثة تتمثل بقصائد وأشعار لجبران خليل جبران وناديا تويني وشارل قرم وغيرهم. وتنساب من تلك الغرف الحاضنة لهذه الأعمال أنغام موسيقى غابريال يارد وعبد الرحمن الباشا وأسامة الرحباني وزاد ملتقى وغيرهم، فيما بعضها تلونها رسوم غرافيكية.تحفة المعرض تتمثل بلوحة للرسام الإيطالي غيدو ريني من القرن السابع عشر، تصور القديس يوحنا المعمدان. اللوحة هي واحدة من مقتنيات متحف سرسق في بيروت. في 4 أغسطس الماضي طالها الانفجار وأتلفها، فحضرت في معرض «الفن الجريح» كبوابة عبور إلى الحياة من جديد. صحيح أن الكارثة فجرتها وتتمسك إدارة المتحف بإعادة عرضها في صالاتها كما هي في حالتها الحاضرة، إلا أن معرض «الفن الجريح» أحياها. فبتقنية الغرافيك الحديثة حولها إلى ألبوم رسومات لفنانين عالميين تناولوا الشخصية نفسها في أعمالهم. وأنت تتفرج على هذه اللوحة التالفة، تطالعك أخريات لمايكل أنجلو وليوناردو دا فنشي ورافاييل، وآخرين مروا بريشتهم عبر القرون على هذا القديس ورسموه.

جان لويس مانغي المسؤول عن تنظيم هذا المعرض، الذي يقف مصرف «بيمو» وراء فكرته، يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «هذه الأعمال وضعناها متلاصقة لتؤلف لوحة (بازل) تؤكد أنه مهما شهد الفن من تجريح وتدمير وأفسده الانفجار يبقى حاضراً بروحه». ويتابع: «الفن هو عالم بحد ذاته يدور في نظام حركة دائمة يتحول باتجاهات مختلفة، ويعايشنا كظلنا ولا يمكنه أن يموت. وإذا ما غاب حضوره هذا عنا علينا أن ننفخ فيه الحياة. وما يمكنني قوله هو أن الأفكار التي ترونها هنا هي بمثابة مدخل إلى هوية وولادة يجددان حياة هذه الأعمال».تشعر وأنت تتجول في أرجاء المعرض على مستوى الطابقين الأول والثاني، وكأنك في متحف عالمي. فكل ما فيه وضب بجمالية واستحدثت له مساحات فنية بإضاءة خافتة تتحدث مع اللوحات بخفر وتبوح لها. فهنا علاج اللوحات من صدمتها يجري بصمت على أنغام موسيقى راقية. وإحاطتها بكتابات تهمس في أذنها الشعر هي رعاية وعناية من نوع آخر تخفف من آلام جروحها المفتوحة.

وفي الطابق الثاني للمعرض الذي يستضيف لوحات تنبض بحياة ما بعد الانفجار، تطالعك مجموعة أعمال رسمها فنانوها بعد انفجار 4 أغسطس. واحدة من صالات المعرض مر عليها عصف الانفجار، فتركها منظموه على حالتها كشاهد حي لكارثة تعد الثالثة من نوعها في العالم من حيث ضخامتها. مشهد السقف المخلوع والحديد الملتوي والمتناثر هنا وهناك، يضمحل أمام روعة القطع الفنية المعروضة في هذه الصالة. في وسطها تنتصب منحوتة برونزية لهادي سي تحمل اسم «بيروت». وعلى وقع موسيقى غابريال يارد، تتفرج على لوحتين ضخمتين لأروى سيف الدين تندرج على لائحة الأعمال الفنية الثلاثية الأبعاد. «منذ وقوع الانفجار وهول ما رأته بدلت الفنانة سيف الدين وجهتها الفنية، وتحولت إلى فن النحت بدل الرسم. وهذه المنحوتة التي تتقدم اللوحتين هي من تصميمها»، توضح مايا حلبي المشرفة على المعرض لـ«الشرق الأوسط». تكمل مشوارك لتطالعك منحوتة أخرى ترسم في طياتها أحرف الحب بالإنجليزية (Love)، وفي مقابلها أخرى تحمل اسم «السلام» (peace) للفنانة التشكيلية نايلة رومانوس وقد تأذيتا من الانفجار. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «القطعتان كانتا معروضتين في فندق (لو غراي) وسط بيروت. وإذا ما تأملنا التشوه الذي تعرضتا له إثر الانفجار نلاحظ أن منحوتة (الحب) جاءت إصابتها سطحية وطفيفة. فيما منحوتة (السلام)، وخيوطها الحديدية الرفيعة تأذت بشكل أكبر. وكأن المنحوتتين تترجمان مدى فعاليتهما في الواقع. فالحب متين وصلب لا يهتز، فيما السلام يمكنه أن يتزعزع بسرعة ويفقد قوته».

كاتيا طرابلسي فنانة أخرى تشارك في المعرض من خلال منحوتتين. إحداهما تكسرت وانفصلت أقسامها عن بعضها، وبقيت محافظة على رأسها، وهي معروضة في صندوق شفاف مصنوع من مادة «البليكسي غلاس». وأخرى تنتصب بلونها الأزرق الملكي، وقد شوهتها شظايا الانفجار. وتعلق طرابلسي لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن أعمال الفنان يشبهونها بفلذات الأكباد. ولكن في هذه الحالة الاستثنائية شعرت أن كل بيت تدمر وكل شخص تأذى تربطني به علاقة وطيدة. فلم أقم الحداد على قطعي الفنية فقط بل على كل هؤلاء مجتمعين. نعم كانت هذه المنحوتات بمثابة أولادي عندما نفذتها. فالأولى نحتها في عام 2015 عندما جرى تدمير أثارات بغداد فحاولت إعادة بناء تاريخ العراق من خلالها. والثانية صنعتها في عام 2019 اليوم، وفي حالتهما المشوهة تدخلان التاريخ من باب آخر، وتشهدان على كارثة دوت في بيروت. مصير أعمالي تأخذه الحياة إلى حيث ما تريد، نفترق ويذهب كل منا في طريق اختاره».الحداثة والأفكار الإبداعية تلمسها عن قرب في معرض «الفن الجريح». لوحتان زيتيتان ضخمتان تعودان إلى الرسام الكوبي أندي ليانز، أصابتهما شظايا الانفجار. «كانت معروضة في غاليري (ساوث بوردر) في بيروت، ونالتا حصتهما من الانفجار» توضح مايا حلبي. تقترب من اللوحتين المتشظيتين لتكتشف مربعات صغيرة مدموغة برمز مشفر تغطي ثغرات اللوحتين بفكرة لكارلو مسعود. تضع عين كاميرا المحمول عليها فيخرج منها «لينك» تقرأ فيه رسائل عن بيروت المنكوبة ضمن شريط فيديو قصير أو صورة فوتوغرافية.ساعات قد تمضيها في معرض «الفن الجريح»، وأنت تلملم جروحات لوحات ومنحوتات تخضع للعناية الفائقة. تدقق وتتأمل في أخرى تنبض فيها حياة ما بعد انفجار 4 أغسطس. تخرج من المعرض فخوراً بلبنان وفنانيه فهو لا يزال بخير رغم كل شيء.

قد يهمك ايضا

معرض لفنان إسباني في موسكو

"البخيل" يستقبل العام الجديد وسط حضور جماهيري كبير

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معرض الفن الجريح ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة معرض الفن الجريح ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة



GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 02:39 2014 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

1460 موظفة في " ديوا " ٪76منهن مواطنات إماراتيات

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 08:07 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

توقيف طبيب عالمي شهير بسبب مواطنة مغربية

GMT 13:31 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

روما ينافس الأنتر على ضم المغربي حكيم زياش

GMT 01:15 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيللي كريم تُعلن عن أكثر ما أسعدها في عام 2017

GMT 13:17 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

جورج وسوف يستعد لإطلاق ألبومه الفني الجديد مطلع العام

GMT 16:21 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

المجموعة الثامنة : بولندا - السنغال - كولومبيا - اليابان

GMT 02:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

انتهاك بحري إسرائيلي لسيادة المياه الإقليمية اللبنانية

GMT 22:30 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوم الوطن العربي يشاركون في مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 23:05 2017 الأحد ,18 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز ديكورات الحمامات الحديثة في 2017

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!

GMT 05:32 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تقرر رفض المهلة التي منحها حفتر لحسم اتفاق الصخيرات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca