القاهرة - الدار البيضاء اليوم
تؤلّف القوة التي تتمتع بها المرأة وقدرتها على التعامل مع محيطها، في وقت واحد، موضوع معرض «الأم العنكبوت» لشيماء كامل في العاصمة اللبنانية بيروت. تقدم التشكيلية المصرية؛ ضمن 25 لوحة رسمتها بتقنية الميكس ميديا والأكليريك، ما يعكس شخصيتها وشخصية كل امرأة قوية التقت بها في حياتها.
«كما أمي وجدّتي وصديقات لي، كذلك يحكي معرضي عن جميع النساء في العالم، خصوصاً اللاتي تعرفت إليهن من قرب، وأعجبت بموقف أو تصرف نابع منهن، فحفرته بريشتي بعد أن خزّنته ذاكرتي». تقول كامل في حديث لـ«الشرق الأوسط».
وضمن زخرفات ومنمنمات ووجوه نساء تعبّر ملامحهن عن القوة والضعف والفرح والإحباط وكل ما يمكن أن تمرّ به المرأة من حالات، يلفتك في معرض «الأم العنكبوت» الطابع الأسطوري الذي يسوده. وتعلق كامل: «المرأة في رأيي كائن بشري يتمتع بقوة خارقة. فهي الأم التي تربي وتعلّم وتؤدي الواجبات المنزلية، وتعمل خارج بيتها وتدير ميزانية عائلتها، وغيرها من المهام مرة واحدة».
الأساطير وشخصياتها الشيقة تمزجها كمال في أجواء خرافية، فنرى في لوحاتها أسماكاً تطير وهررة تحلق ورجلاً يتزين بتفاحة وامرأة تتوسط شعر رأسها المبعثر زهرة «مارغريت». أمّا الألوان التي تستخدمها، فهي تميل إلى الدفء ومشبعة بالبهجة. وتعلّق في سياق حديثها: «إنها ألوان ذات منحى إيجابي، رغم أنّ بعض اللوحات لا تحكي بالضرورة عن السعادة». وعن سبب هيمنة البرتقالي على معظم أعمالها ترد: «إنه من الألوان المحببة إلى قلبي، ويعكس نبض الحياة. كما أنّي متأثرة بشكل عام بألوان أزياء والدتي المزخرفة التي كانت تطغى عليها الألوان الزاهية، لا سيما البرتقالي. فذكرياتي وطفولتي وشبابي نمت بالتوازي مع حضور والدتي وجدتي وصورتهما المطبوعة دائماً في خيالي. فهذه الألوان بمثابة ميراث أعتز به».
معرض كامل الذي افتتحته في 18 يوليو (تموز) الحالي يحكي عن المرأة ويطلّ بخجل على الرجل. «لم أرد أن أظلمه في معرض يكرّم المرأة بالتحديد. والحياة كي تكتمل تحتاج إلى شريكيها الأساسيين؛ المرأة والرجل. أنا بالنهاية امرأة تحاول الدفاع عن بنات جنسها في لوحات تتناول حقوقهنّ المنتهكة، ومدى الاستخفاف بموقعها، خصوصاً في العالم العربي. فالمرأة في منطقتنا من أقوى نساء العالم ومن حقّها حصد نجاحاتها والاستمتاع بها. هي مسؤولة بشكل رئيسي عن الرجل لأنّها تربيه وتكبره تحت جناحها، ولذلك على الرجل أن يقدّرها ويحترمها».
رسائل مباشرة وغيرها مبهمة، يتلقفها زائر معرض «الأم العنكبوت». الاسم استوحته كامل من أيدي هذا الحيوان الكثيرة والقوية، التي باستطاعتها أن تقوم بأكثر من مهمة في آن. «هكذا تماماً أرى المرأة، وهكذا رسمتها في مخيلتي وترجمتها على الكانفاس في لوحاتي»؛ تقول شيماء التي لم تنسَ أن تقدم كثيراً من حنايا شخصيتها في رسوماتها.
الصراع بين الخير والشر، إضافة إلى مواقف سياسية، تقدمها كامل في لوحاتها... «هناك واقع أسطوري نعيشه يحصل في المنطقة من دون إيجاد أي حلول. ولذلك تريني أربط بين واقعنا المضحك المبكي هذا وحس الفكاهة والسخرية؛ الواضحين في بعض لوحاتي. وأرى أنّ الأحداث كلّها واحدة تشبه بعضها، واختلافها يكمن في أدواتها».
هذا المعرض ليس الأول لكامل في لبنان، فهي سبق أن شاركت في إحدى دورات «صالون الخريف» في «متحف سرسق» ببيروت... «أكرّر في هذا المعرض ما سبق أن تحدثت عنه في سابقيه حول الصراع ما بين الخير والشر. وأنّ الخير سينتصر في النهاية، وهو ما أحبّ إبرازه دائماً في أعمالي. حتى وجوه النساء الحاضرات في لوحاتي تتفاوت ملامحهن لأُظهرنّ كأنّهنّ ملائكة رحمة يترجمن ما يرونه ويعشنه بنظراتهن الثاقبة».
تسكن كامل في لبنان منذ نحو 5 سنوات إثر زواجها من لبناني، محتفظة بتاريخها الفرعوني وتراثها المصري... «الموروث المصري يحيط بي كيفما تحركت. فأنا صعيدية من جنوب مصر، ولي علاقة وطيدة مع الأرض. هي تمثل مبادئي وآرائي. وما تقدمينه للآخر ينعكس عليك خيراً كان أو شراً؛ تماماً كالأرض. وتأتي الحيوانات لتكمل هذه الصورة السوريالية. فهي كالزخرفة؛ جزء لا يتجزأ من تشخيصي للإنسان؛ إذ أرى ملامحها في كل شخص أنظر إليه. وفي لوحة (التفاحة والرجل) يمكن مشاهدة الذبابة الذهبية، ذات الرأس الفرعوني. كل ذلك يرتبط بموروثي المصري وأحمله في لوحاتي المسافرة عبر بلدان العالم؛ ولبنان واحد منها»، واختتم قائلة: «لوحاتي النسائية تلخص شيماء كامل الحاضرة فيها بشكل أو بآخر. تتلوّن بانعكاسات للأشياء من حولي كأي امرأة أخرى تعيش في محيط معين».
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر