تحل في 30 من شهر يوليوز الجاري الذكرى الثالثة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه. هي مناسبة يحتفل بها المغاربة، وفرصة للتوقف عند أهم المحطات التي شهدتها المملكة تحت قيادة الملك، وما عرفته البلاد من تطورات ومستجدات على جميع الأصعدة، سواء السياسية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية.في هذا الإطار أكد الأستاذ والباحث في العلوم السياسية سعيد خمري، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “أهم الإنجازات التي يمكن الحديث عنها خلال هذه السنة، والتي لعب فيها الملك دورا محوريا، المجال الدبلوماسي، إذ كان للجالس على العرش دور أساسي في توجيه السياسة الخارجية للبلد طيلة العقدين الأخيرين، وهذه السنة والسنة التي قبلها كانتا مناسبتين لجني ثمار كل ما تم اعتماده في هذا المجال”.
وقال الباحث ذاته: “على صعيد السياسة الخارجية سجل المغرب تحولا مفصليا، يكمن في تنويع شركائه، وعدم الاعتماد فقط على الشركاء التقليديين، بل تم الانفتاح على شركاء جدد فاعلين في الساحة الدولية، مثل الصين وروسيا؛ علاوة على العودة القوية إلى إفريقيا انطلاقا من توظيف الجانب الديني والتاريخي، وأيضا الجانب الاقتصادي في هذا المجال”.وراكم المجال الدبلوماسي، يتابع الباحث ذاته، عددا من المكاسب التي انعكست إيجابا على ملف الصحراء المغربية، مسجلا في هذا الإطار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو المسار نفسه الذي سارت فيه ألمانيا التي اعترفت بأن الحكم الذاتي مقترح ذو مصداقية، إضافة إلى الموقف التاريخي الذي سجلته الدولة الإسبانية بالخروج من موقفها السلبي إزاء الوحدة الترابية المغربية وتأييدها الحكم الذاتي للمغرب كمبادرة قوية من شأنها أن تمنح لسكان الصحراء إمكانية تسيير شؤونهم بأنفسهم، ومدهم بالموارد والاختصاصات اللازمة، رغم ما نتج عن هذا الموقف من تشنج في علاقاتها مع الجزائر التي تعاكس المغرب في وحدته الترابية.
وشدد خمري على أن “هدف الجزائر الوحيد من معاكسة المغرب في وحدته الترابية هو قلقها من صعود قوة إقليمية جارة، أمام توالي الإنجازات وتطور مؤسسات الدولة المغربية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي”.وأضاف المتدخل ذاته أن الجزائر “لا تتوانى عن خلق العراقيل أمام معالجة قضية الصحراء المغربية؛ وكما لاحظ جميع المتتبعين فإن المغرب لم يكف عن مد يده للجارة من أجل التعاون وبناء مغرب كبير وقوي، فلا مجال الآن لبناء دويلات صغيرة أو عصابات على رقعة جغرافية لا تمتلك حتى مقومات الدولة والسيادة، بل إن الفرص متاحة للتكتلات الإقليمية القوية”، وزاد: “هنا يجب أن يكون البناء المغاربي جوابا عن مجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعاني منها المنطقة، فالعديد من التقارير تتحدث عن الكلفة الاقتصادية المرتفعة لعدم وجود تكتل مغاربي يلبي حاجاته بشكل مشترك، بتنسيق اقتصادياته حتى تكون متكاملة بما ينعكس إيجابا على تنمية جميع الدول”.
وحسب الباحث ذاته فإن “من بين الانعكاسات الإيجابية للسياسة الخارجية للمغرب في ظل عهد محمد السادس في السنوات الأخيرة، ولاسيما في هذه السنة، توالي تشييد وإقامة قنصليات وتمثيليات دولية في الأقاليم الجنوبية للمغرب في كل من العيون والداخلة؛ وهي خطوة ليس لها فقط منحى سياسي، وإنما أيضا اقتصادي، بحيث يعول على عدد منها، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لتكون جسرا ومنبرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب والانفتاح من خلال أقاليمه الجنوبية على الدول الإفريقية”.
وذكر المتحدث ذاته أن “المغرب بات معروفا كقوة إقليمية، نتيجة للسياسة المتبعة في المجال الأمني، وكذلك في مجال محاربة الإرهاب ومحاربة التطرف الديني، وفي محاربة الهجرة السرية، إذ تم الاعتراف بجهوده دوليا”، مردفا: “نذكر هنا بالسياسة الموضوعة من قبل المملكة في مجال الهجرة واللجوء؛ فرغم ما يمكن أن نوجه لها من الملاحظات، إلا أنها تبقى على الأقل متقدمة مقارنة مع باقي الدول المجاورة لنا، والتي تتشابه معنا، سواء من ناحية الإمكانات المادية أو الاقتصادية”.
ثبات دولة وسط اللايقين
المسار نفسه سلكته الباحثة في العلوم السياسية أسماء مهديوي، إذ اعتبرت أن “هذه السنة تميزت بترسيخ مكانة المغرب كفاعل إقليمي مؤثر وكشريك موثوق به من طرف القوى الدولية الفاعلة؛ وفي ظل ما يعرفه العالم من حالة اللايقين والشك، خصوصا مع اشتداد أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافقها من اصطفافات استطاعت معها بلادنا تدبير الأزمة بحكمة بالغة”.
وأردفت المتدخلة، في حديثها لجريدة هسبريس، بأنه “في ما يتعلق بقضية المغرب الأولى فقد استطاع المغرب كسب المزيد من الدعم الدولي، الذي تجلى في القرارات الأممية الداعمة للحل السلمي للقضية، بما يتوافق مع الرؤية المغربية وفتح المزيد من القنصليات في المدن الصحراوية المغربية”، وزادت: “رغم ما عرفته السنة من توتر في علاقة المغرب مع بعض الشركاء الأوروبيين، خاصة إسبانيا وألمانيا، فقد استطاع تغيير موقفهما بما يتوافق مع الحل الذي يقترحه”.“أما في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي فقد تميزت السنة بالعودة التدريجية للأنشطة الاقتصادية، بعد سنتين من التأثيرات السلبية للجائحة. ومن المتوقع أن يساهم إطلاق صندوق محمد السادس للاستثمار في انتعاش النشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى ما عرفته القطاعات المرتبطة بصناعة السيارات والطائرات والفوسفاط ومشتقاته كأبرز مكونات الصادرات المغربية من أداء جيد هذه السنة”، تضيف المتحدثة.
وفي الجانب الاجتماعي، تقول مهديوي، فقد “تميزت السنة الحالية بتسريع تنزيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية وبرنامج أوراش الهادف إلى التخفيف من الآثار الناجمة عن الجفاف، وتأثير الجائحة، خاصة على الطبقات الهشة واستمرار برنامج تيسير لدعم التمدرس، وبرنامج مليون محفظة، وبرنامج دعم الأرامل، وغيرها من البرامج التي تروم مساعدة الفئات الفقيرة”.
بدوره أفاد سعيد خمري بأنه “فضلا على تأكيد دستور 2011 على عدد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية فإن التدشين الحقيقي لمسألة الحماية الاجتماعية كإستراتيجية وسياسة قطاعية يعتبر نتاجا لتداعيات أزمة كورونا، سواء على المغرب أو العالم بأسره، التي كشفت عن الحاجة الملحة إلىحماية المواطن والفرد وضمان حقوقه الاجتماعية، بحيث برزت قيمة التغطية الصحية والتعليم والصحة كقطاعات اجتماعية حيوية، فانخرطت الحكومة المغربية، لكن بسياسة وتوجيه ملكي صرف، لتبني سياسة اجتماعية واضحة في ما يتعلق بالتغطية الصحية والسجل الاجتماعي وانخراطها في الحوار الاجتماعي، والاستجابة ولو بشكل رمزي لمطالب العمال”.
وأضاف المتحدث ذاته أن كل هذه الخطوات “مقدمة للتوجه نحو بناء سياسة اجتماعية حقيقية في المغرب، ولا شك أنه بتضافر جميع جهود المعنيين، سواء الفاعلين الاقتصاديين أو أرباب العمل أو الفاعلين السياسيين، وأيضا الفاعلين الترابيين، سيكون بإمكانهم المساهمة في تثبيت اللبنات الأولى لما تسمى الدولة الاجتماعية، التي لم نصل إليها بعد، والتي أصبحت محط ملاحظات، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أردوغان يُعرب للملك محمد السادس عن رغبته في تطوير العلاقات بين البلدين
عفوٌ ملكيٌ عنْ 1796 شخصا في عيدِ العرشِ
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر