تتابع الجهات السياسية الإسبانية بترقب وعدم رضا كبيرين الخطوات المتسارعة التي تتبعها الحكومة الألمانية في استعادة علاقاتها مع المغرب بعد الأزمة التي مرت بها منذ ماي المنصرم، فالإشارات المتعددة التي قامت بها سواء لإعادة العلاقات ، أو تغيير موقفها من قضية الصحراء لصالح الموقف المغربي، وآخرها اجتماع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظيرته الألمانية أنالينا بايربوك أول أمس عبر تقنية التواصل، اعتبرتها مدريد سبقا سياسيا يضعها في موقف حرج، ذلك أن الأزمة الديبلوماسية بين الرباط وبرلين من جهة وبين مدريد والرباط كانت متزامنة ، بل إن خطوة المغرب تجاه ألمانيا بتجميد كل علاقات المؤسسات الحكومية المغربية مع هيآت السفارة الألمانية بالمغرب كان إشارة قوية لإسبانيا قبل اندلاع الأزمة بين البلدين، فحكومة مدريد تعتبر ألمانيا حليفا كبيرا تعتمد عليه في الاتحاد الأوروبي في علاقاتها الخارجية، خصوصا مع المغرب، حيث كان لهذه العلاقة أثر كبير في محاولة الضغط على المغرب من خلال استصدار قرار من الاتحاد الأوروبي لم يكن في صالح المغرب عقب أزمة المهاجرين في ماي المنصرم والتي وظفتها حكومة سانشيز لتحويل الأنظار عن جوهر الخلاف مع الرباط والمتعلق أساسا بموقف مدريد من الوحدة الترابية للمملكة عقب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء .
خطوات برلين اتجاه المغرب لم تترك لمدريد خيارات كبيرة ولو أنها لم تستطع لحد الآن حسمها خصوصا ما يتعلق بالموقف من الصحراء، حيث أن المسؤولين الإسبان مازالوا يتجنبون الحديث عن الموضوع مفضلين الحديث عن المغرب كشريك أساسي في قضايا أخرى كالهجرة ومحاربة الإرهاب، وغيرها من المواضيع التي لا تذهب لجوهر الخلاف مع المغرب، ولو أن وزير الخارجية الإسباني مانويل ألباريس بعث إشارات إيجابية من خلال التنويه بقرار مجلس الأمن الأخير.
ويبدو من خلال هذه الصريحات والتحركات أن حكومة سانشيز غير قادرة بسبب ائتلافها الهش أساسا مع أحزاب يسارية مناهضة للوحدة الترابية للمغرب ، إضافة إلى مواقف اليمين الإسباني المعارض الذي حذر الحكومة من الرضوخ لضغوط الرباط حتى تقوم بما قامت به برلين.
وتحاول مدريد بدل ذلك اللعب على مجالات أخرى في العلاقات بين البلدين متجنبة الجوهر.
وقد علقت الحكومة الإسبانية أمالا على القمة الإفريقية الأوروبية التي انعقدت يومي 17و18فبراير الجاري ببروكسيل ولقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز يوم الجمعة الماضي في أول لقاء شخصي منذ اندلاع الأزمة الدبلوماسية في أبريل الماضي..
وأكد سانشيز في لقاء صحفي أنه أجرى "محادثة" مع بوريطة، الذي حضر ممثلا للمغرب في قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في بروكسيل..
وقال سانشيز "كلانا نؤكد على ضرورة المضي قدما في هذه العلاقة الاستراتيجية بين إسبانيا والمغرب"، وهذا الأمر سبق أن أشار إليه الملك محمد السادس في شهر غشت الماضي.
وأضاف «المغرب شريك استراتيجي لإسبانيا ونريد تعميق العلاقات ، على المستوى الثنائي وكأعضاء في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي».
وأشار سانشيز أيضًا إلى أنه تحدث مع زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، الذي فرضته الجزائر وبعض الدول الإفريقية المعادية للوحدة الترابية للمغرب في القمة، دون إعطاء مزيد من التفاصيل..
وتحاول الحكومة الإسبانية تقريب وجهات النظر من أجل إعادة العلاقات بين البلدين إلى ما قبل ماي المنصرم.
إلا أن هذا اللقاء الأوروبي الإفريقي انعقد في أجواء سياسية دولية متوترة، فهناك من جهة الأزمة الروسية الأوكرانية التي تشكل هاجسا للقادة الأوروبيين، وهناك من جانب آخر التحديات الاقتصادية والأمنية التي تثير مخاوف الأوروبيين خصوصا التغلغل الصيني في القارة الإفريقية، إضافة إلى الوضع في مالي بعد الصفعة التي تلقتها باريس بسبب قطع باماكو للعلاقات معها ووضع التواجد العسكري الفرنسي بهذا البلد الذي لم يكن له أي مبرر.
أما فيما يخص المغرب وإسبانيا ، فإن تواجد إبراهيم غالي ضمن الوفود الإفريقية شكل حرجا للمسؤولين الإسبان، وسيبقى شبحا يتبعهم في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى إصلاح العلاقات قدر الإمكان مع الرباط.
ويبدو أن اللقاء بين سانشيز وزعيم البوليساريو لم يكن في مستوى رضا زعيم الانفصاليين لأن رئيس الحكومة الإسبانية تجنب إعطاء تفاصيل عنه، كما أن وكالة أنباء الانفصاليين وصحافة الجزائر لم تأت على ذكره إلى حدود يوم السبت مساء، وركزت على لقاء غالي مع رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، خصوصا مع البيان المتزامن الذي أصدره الاتحاد الأوروبي بعدم اعترافه بالجمهورية الصحراوية الوهمية وتبرئه من استدعاء غالي لهذا للقاء.
وكان الاتحاد الأوروبي قد تبرأ من تواجد إبراهيم غالي في هذا اللقاء مِؤكدا أن الاتحاد ليس مسؤولا عن استدعائه، بل إن الاتحاد الإفريقي هومن قرر لائحة أعضاء حضوره مشددا على أن موقف الاتحاد الأوروبي لم يتغير من قضية الصحراء وأن هذا الأخير لا يعترف بالجمهورية الصحراوية المزعومة.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر