آخر تحديث GMT 06:25:28
الدار البيضاء اليوم  -

مسرح المونودراما: عروض رشحت الممثل للقب شاعر الخشبة

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - مسرح المونودراما: عروض رشحت الممثل للقب شاعر الخشبة

دمشق - سانا

تشكل عروض المونودراما في المسرح السوري خلاصة جهد جماعي على الخشبة كونها تنبع أولاً وأخيراً من هاجس الدفاع عن فن المسرح كفن شخصي أقرب إلى الشعر والفن التشكيلي منه إلى صيغة العروض الجماعية و تعتبر مسرحية الممثل الواحد من أكثر أنواع المسرح صعوبةً على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل حيث يسجل النقاد للمسرح السوري تفرده في هذه النوعية من العروض طوال خمسين عاماً ونيف من تأسيس المسرح القومي عام 1960 . وتعتبر مسرحية "يوميات مجنون" للكاتب الأوكراني نيقولاي غوغول من أولى العروض المونودرامية السورية التي أعدها سعد الله ونوس للفنان أسعد فضة للمسرح التجريبي لتكون فاتحة هذا النوع من الفنون على مساحة صالات العرض الوطنية ليقدم بعدها ممدوح عدوان تجربة غنية من مونودرامات متعددة بدأها مع الفنان زيناتي قدسية في عرض "الزبال" بعد تقديم هذا الأخير من تأليفه وإخراجه مسرحية "القيامة" التي تروي تفاصيل النكبة العربية عام 1948 عبر مونولوج طويل من الغناء والأسف والرثاء لواقع الحال العربي بعد احتلال الصهاينة لأرض كنعان. قدم الفنان قدسية روائع من مسرحيات الممثل الواحد على الخشبات السورية إلا أن قدسية يشعرك بوجوده فشخصية المونودراما التي ظلت طوال زمن العرض وكأنها فعلاً جزء من فيلمٍ تسجيليٍ آسر أو نوع من المسرح الوثائقي الذي يأخذنا إليه صاحب "الكأس الأخيرة لسقراط" فبعد سبعة وعشرين عاماً كان قدسية قدم مونودراما "حال الدنيا 1985" عن نص لممدوح عدوان إضافةً لمسرحية "الطيراوي" التي أخذها لمسرحي الفلسطيني عن قصتيّ "الطيرة" و"المدفع" لغسان كنفاني، ومسرحية "القيامة" عن ذلك المقاتل الفلسطيني الذي شاهد رفيقه يقتل أمامه فدفن له بندقيته ليعود ويبحث عنها فلا يجدها. كما نشاهد من جديد تلك الطاقة الأخاذة لممثل من مقام قدسية كممثل نقتفي معه آثار أنفاسه مع كل غرغرة كلمات تندفع من روحه قبل أن تمر على لسانه مع كل دخول وخروج من الذات وإليها لنكون مجدداً أمام درس حقيقي في صياغة مسرحية الممثل الواحد هي خبرة سنوات تبلورت بعشرات الأعمال المسرحية التي خاضها هذا الفنان الكبير ليست خبرة الممثل وحسب بل هي خبرة الشاعر والفنان التشكيلي والنحات. خبرة جعلت من شخصية "أبي شنار" التي قدمها لصالح المسرح القومي أيقونة حقيقية لمأساة شعب بأكمله إذ لا تتوقف رحلة الشيخ محمود الجزماوي الشخصية التي أداها في مسرحية "أبو شنار" عند زوال الحدود بين البلاد العربية وبرؤية المناضلة جميلة بوحيرد ترقص فرحاً بين جموع المحتفلين باستقلال الجزائر عن فرنسا بل تذهب نحو ما هو أبلغ وأكثر حسرةً في النفس. هذه المفارقة التي يلتقطها حكيم في نصه الأجمل لا شك أنها تفضح كل الجرائم الجمالية التي ارتكبت بحق المرأة النموذج إذ غابت الكثير من تلك السيدات اللاتي كن موضوعاً لفنانيهن وبالتالي لم تسمح الظروف بإعادة الموديل إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق فالمآسي التي يتذكرها الكثيرون من رسامي الزمن الجميل كفيلة أن تقدم لنا أكثر من شاهيناز مرزوقي أو حكمت قهار هل علينا القول مرة أخرى أن المرأة الموديل دفعت ثمن التعبيرية الفرنسية والألمانية.. لكنها بالمقابل استطاعت أن تصل إلى شكل "دورا مار" بيكاسو لكنها في مواطن أخرى لم تتعد لوحات متشابهة لحارات دمشق القديمة. ويحفل المسرح السوري المعاصر بعشرات التجارب الأخرى في مسرح المونودراما لاسيما تجربة المخرج والكاتب نمر سلمون الذي ابتعد في شغله عن صيغ المونودراما التقليدية حيث قدم مؤخراً سلسلة من عروض المونودراما في دار الأوبرا السورية بعنوان "لا تخش شيئاً فالموت إلى جانبك" مستبدلاً صيغة محاورة "المخاطب الغائب" بجمهور مسرح الاستعمالات المتعددة وذلك عبر ثلاثة عروض تابعها المسرحي السوري بدأب وبحث متواصل دامجاً السيرة الشخصية مع مستويات متعددة من الكتابة، جاعلاً النص المسرحي مفتوحاً ومفكراً به على نحو يشبه "مسرح الجمهور الخلاق". ويشرك الفنان سلمون المتفرج في عروض المونودراما عبر إتمام حبكة الحكاية تلو الأخرى دون إغفال شروط اللعبة التي تنهل بدورها من صيغة مسرح الحكواتي لتصير هذه الشخصية بمثابة لقاء بين أنواع من البوح والاعترافات الحميمة إذ استطاع "سلمون" أن يعبر عن قلق الإنسان وخوفه الوجودي من نهاية محتومة تترقبه في كل لحظة من لحظات حياته وذلك عبر حكايات "داريو الأندلسي" حيث قرر هذا الأخير الاختباء من الموت ومخادعته من خلال التخفي في جسد شخصية الحكواتي ممرراً من هذا التمويه الدرامي الماكر الحكاية كمنقذ وحيد من آجال مكتوبة على جبين الكائن الإنساني. ولا يتردد "سلمون" في الطلب من جمهوره مساعدته لإتمام حكاياته عن الموت فهذا المصير الذي لا يمهل أحداً حتى يتمم ما كان ينوي فعله يحول مسرحية الممثل الواحد إلى تعددية باهظة من خلال توريط المتفرج في تفاصيل اللعبة المسرحية ولنشاهد رجلاً مع زوجته يتحركان من على مقاعدهما الآمنة في عتمة المسرح ليتلوان حواراً ويتدربان عليه مما يجعل الجمهور ممثلاً متوقعاً في كل لحظة تستمر فيها أحداث هروب الحكواتي من شبح نهاياته المتنوعة. هكذا تمكن خريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1989 من إدارة لعبته اللافتة ليتحرك سلمون لتغيير شكل التلقي الحيادي في عروض المونودراما والتي تميل عادةً إلى شرح جوانب نفسية معقدة تغرق الشخصية عادةً في استحضاراتها وتشنجاتها العصبية فبعيداً عن التلقين والإملاء والمصادرة يسرد مدير فرقة "المسرح الخلاق" عدة حكايات عن مصائر أناس لقوا حتفهم ضمن قالب ساخر لا تعوزه المرارة مبرراً ذلك بعبثية الموت ولا معقولية خياراته. ويراهن الفنان سلمون صاحب أطروحة "الوجه المستتر للمسرح السوري المحتمل" من خلال مسرحياته على بناء نص شديد المرونة خارجاً بذلك على إرث فن المونودراما على الخشبة السورية هذا الإرث الذي كاد أن يتحول إلى كوابيس نفسية وهذر لا نهاية له متعمداً الاستغناء عن الالتصاق الأحمق بالنص نحو صياغة عرض تأخذ فيه العفوية قالباً شعبياً مدروساً لتنتقل لغة مسرحية الممثل الواحد من هذيانات التداعي الحر إلى الاعتراف بالحضور المادي والوجداني للجالسين على كراسي الفرجة فموضوعة الموت في أعمال هذا الفنان لا تبني خطاباً سوداوياً بقدر ما تشير إلى إمكانية النجاة من التفكير العدمي بالحياة نفسها الحياة كما يجب أن نعيشها كمهمة حيوية تنظر إلى وجودية الإنسان كمعط معرفي يستحق المغامرة من أجله والبناء على إمكانية تطويره إلى متعة عارمة للعيش والتهام العالم. واستطاع المسرح القومي أن ينتج العديد من هذه العروض دون أن تحظى بقرار صريح وواضح على استجلاب المسرح من عزلته ومن جمهوره إلى صالات العروض السورية حيث تمتعت هذه العروض بجرأة فنية وفكرية عالية المستوى مجسداً هواجس جمهور رافقه منذ ستينيات القرن الفائت على كل من مسارح القباني والحمراء والأوبرا والعمال ليتضمن الموسم الماضي عدة عروض مونودراما منها "ليلة الوداع" للكاتب جوان جان و"المطرود" لتمام بري العواني.

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسرح المونودراما عروض رشحت الممثل للقب شاعر الخشبة مسرح المونودراما عروض رشحت الممثل للقب شاعر الخشبة



GMT 12:58 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس السبت 26-9-2020

GMT 17:23 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

المهاجم إيكادري يقترب من الانتقال إلى مانشستر يونايتد

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 12:30 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الخارجية الروسي يلتقي نظيره الأرجنتيني

GMT 11:30 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

تعرف على أبرز ديكورات الحمامات العصرية

GMT 14:13 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

دوافع رونالدو تُهدّد أحلام "لاتسيو" بالفوز على "يوفنتوس"

GMT 20:28 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

عائلة بوتفليقة "تخشى على سلامتها" في حال انتقال السلطة

GMT 02:11 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قائمة تضم أفضل عشرة مطاعم على مستوى العالم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca