القاهرة - وكالات
يصدر قريبا عن دار "اكتب" للنشر والتوزيع "مذكرات مصطفى محمود" تأليف الصحفي المصري السيد الحراني، ومراجعة لغوية للدكتورة إيمان الدواخلي، وتصميم غلاف لمحمد كامل.
وجاء في كلمة المؤلف عن العمل : لقد عاش مصطفى محمود حياته كلها داخل تابوته الخاص، الذي لم يطلع عليه أحد سوى الله، فظلمه الجميع، وتعذر على المجادلين فهمه، ولكنه كان لا يعمل من أجل نفسه، إنما من أجل البشرية، فقد كان رجلا يقول كلماته ويمضي، أما الآخرين فقد كانوا يقفون على بابه، يلتمسون منه البركة، التي لم يبخل بها على أحد، إلى أن رحل في رحلتة الأخيرة، التي لن يعود منها مجددا، ولكننا سنشاهده إذا تم الافراج عن برنامجه، وعرض في التليفزيون المصري، وسنسمع ونستفيد من علمة وفلسفته وفكره، إذا قرأنا كتبه هذا الرصيد الهائل، الذي تركه للمكتبة العربية والإسلامية.
وما شرعت في إعداد هذا الكتاب إلا للحفاظ على تراثه وسيرته العطرة، وليكون هذا الكتاب هو قصته ورحلة حياته وكلمته الأخيرة.. ويضم هذا الكتاب الذي قمت بتجهيزه وإعداده، بعد رحلة طويلة وجلسات دامت، استطعت خلالها أن أعيش وأتعايش لحظات كثيرة من هذه الرحلة أثناء سرد بطلها لسيرته الذاتية ومذكراته الشخصية.. فتلك هي الأسرار الخفية لفيلسوف الشرق وحكيم العصر الحديث، الدكتور مصطفى محمود صاحب ال إسلامولوجيا الجديدة، أي تلك التي تجعل من الإسلام علما، له حق القيام مستقلا عن النزعات الفردية أو المذاهب الشمولية، وعليه واجب الانصهار عن آتون حياتنا اليومية، وفى خضم معاركنا الكبرى.
مصطفى محمود، ذلك الرجل الذي ظل طوال عمره هائما في رحلة طويلة من الشك، بدأت معة منذ الطفوله، ورافقته فترة الصبا، وخرجت عليه بأسئلتها الملحة التي تعرض لها، والتى كانت تدور في فلك"ما هي طبيعة العالم الذي نعيش فيه؟ أيكون منقسما إلى عقل ومادة؟ وإن كان كذلك، فما العقل، وما المادة، وما الكون؟ وهل في الطبيعة قوانين؟ وهل هناك خلود، أم إننا نؤمن بالخلود تعلقا بالحياة وخوفا وهربا من مواجهة الفناء المحتوم؟.. وما الإنسان؟.. وكيف نراه؟ وما الحياة؟ وهل هي لغز لا سبيل إلى فك طلاسمه وكشف رموزه؟ وما الموت؟.. هل هو نهاية كل حياة، أو بداية لحياة جديدة، أو أن هناك سكونًا ولا يوجد حياة بعد الموت؟.. ومن هو الله؟ وهل الله موجود؟ ومن أين جاء، وإلى أين يذهب، وما هو الدليل على وجوده؟". ولكنه تغلب على هذه الأسئلة، وأخيرا استطاع أن يجيب عليها بكل جرأة في هذا الكتاب الوحيد، الذي يروي فيه ميلاده ورحلته من الشك للإيمان، بكل ما قابل من أسرار وخفايافي هذه الرحلة، والتى بدأت برفضه للمسلمات، ثم تكوينه جمعية للكفار، وعمرة اثنى عشر عاما، كما أعلن عن موقفه تجاه الفكر الماركسى، وموقفه من الجماعات الدينية، والأحزاب السياسية، وسر علاقته الحميمة بالرئيس السادات، وعدائه الرهيب للرئيس جمال عبد الناصر، وكيف استطاع أن يعيش عاما كاملا من الاعتقال الفكرى، والكتابة في عصره، وطبيعة علاقته بكل من محمد حسنين هيكل وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وجلال الشرقاوي ولوتس عبد الكريم وأنور المفتي طبيب عبد الناصر الخاص.. كما إنه هنا - في الكتاب الوحيد الذي يروي قصة حياته- أجاب على السؤال الذي حير الملايين، وهو من قتل جمال عبد الناصر وكيف مات!!
كما أنه تكلم عن سر فشل علاقته الزوجية، ورحلاته في الصحراء الكبرى، وكيف عاش بين قبيلة نم نم، والطوارق الذي كانوا قديما يأكلون لحوم البشر، وأسرار حضوره جلسات تحضير الأرواح في لندن، وحقيقة ما دار حوله من شائعات، وكيف كان الموساد وراء هذه الشائعات، وكيف بدأت أزمة الشفاعة وما هو موقفه منها الآن، ومن قاموا بتهديده بالقتل أكثر من مرة، وكيف حاول الموساد اختطافه.
كما ستقرءون هنا قصة أربع سنوات عاشهم مع زوجتة الثانية، التي ترويها بنفسها، ورحلة حياة الكاتبة الكبيرة الدكتورة لوتس عبد الكريم معه.
لقد استمتعت كثيرا بقربي هذه الفترة البسيطة من الدكتور مصطفى محمود، ذلك الرجل الذي ترك للمكتبة العربية والإسلامية رصيدا هائلا من الكتب العلمية والدينية والفلسفية، التي أثار بعضها الجدل، وحمل البعض على تكفيره، ولكنه الآن يعلن عن إيمانه الكامل بالله، بل هو مؤمن به بشكل مختلف عن الآخرين، إيمان الفيلسوف الذي تعرف على الله بعقله وقلبه وروحه، وكل ما يمكن أن اختتم به هذه المقدمة، التي لا أريد أن تطول، ليدخل القارىء إلى الحياة الشخصية جدا للدكتور مصطفى محمود، وهو بالتأكيد شغوف لقراءتها، خاصة بعد رحيله المفاجئ، ولكنى لا أستطيع أن أقول سوى أن مصطفى محمود قام بتأسيس مدرسة جديدة في الصحافة والأدب والفلسفة والعلوم، وهي المدرسة الوحيدة التي أصبحت تحمل اسم"الروحمادية" أي التي تجمع بين الروحانية والمادية، بمعنى آخر الروح والجسد، ولذلك وقع اختيارى على اسم"التابوت"، الذي كان يطلقه على صومعته الموجودة فوق مسجده، والذي يعنى بلغة مصطفى محمود - الخاصة جدا- الجسد، وكثيرا ما أشار إلى هذا الجسد أو التابوت الذي تسكن الروح بداخله، بأنه عالم ملئ بالأسرار والغرائز، التي لم يستكمل اكتشافها حتى الآن، وقد حمل أحد أعماله هذا الاسم، وهو كتاب"الخروج من التابوت"، ولكن كل ما أستطيع تسجيله هنا أن مصطفى محمود أخيرا، وبعد رحلة طويلة من المعاناة، حاول فيها أن يكتشف تلك الحياة التي تقع بين السماء والأرض"البرزخ"، والتي لا يدركها إلا مدرك الأبصار جميعا"الله" انتقل مصطفى محمود إلى حياة البرزخ، التي كان دائما شغوفا بالتعرف عليها، وعلى أدق أسرارها.. رحم الله الدكتور مصطفى محمود
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر