آخر تحديث GMT 18:37:04
الدار البيضاء اليوم  -

لغة لا يتحدثها سوى 44 شخصًا في العالم

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - لغة لا يتحدثها سوى 44 شخصًا في العالم

لغة لا يتحدثها سوى 44 شخصًا
جاكرتا - المغرب اليوم

على الرغم من هيئته البسيطة وجسمه النحيل، بدا كولاك غيتار، العجوز الذي جلس متربعًا على الأرض الخرسانية، صارمًا وحادًا وكأنه يتأهب للقتال.

وقال ابن أخيه ويسنو مبتسما "لقد كان خبيرًا في الفنون القتالية عندما كان في ريعان شبابه وبإمكانه كسر ثمار جوز الهند إلى نصفين بضربة يد" , وأشار غيتار بيديه إلى النخيل وشكّل أصابعه على هيئة حلقة ثم ضرب ثمرة تخيلية باليد الأخرى بقوة، وانفجر الأصدقاء الملتفين حوله ضاحكين , إلا أنني لم أسمع من هذا الحوار سوى الضحكات وترجمة ويسنو إلى اللغة الإندونيسية.

إذ كان هؤلاء يتواصلون بلغة كاتا كولوك للإشارة، التي تعني "حديث الصم" باللغة الإندونيسية، وقد أضحت هذه اللغة هي وسيلة التواصل الرئيسية بين 44 شخصًا فقط في العالم , فقد ولد عدد كبير من سكان قرية بنغكالا صُمًا وتوارثوا الصمم على مدى نحو ستة أجيال , وبينما يعزي سكان القرية انتشار الصمم إلى لعنة نزلت بالقرية، فإن العلماء اكتشفوا أخيرًا جينًا نادرًا تسبب على مدى عقود في إصابة طفل من بين نحو كل 50 طفلًا من سكان القرية بالصمم الوراثي.

إلا أن الصُم في بنغكالا أفضل حالًا من أقرانهم في مناطق أخرى، لأن أكثر من نصف سكان القرية غير المصابين بالصمم، تعلموا لغة "كاتا كولوك" ليتواصلوا مع أفراد عائلاتهم وأصدقائهم الصم , ونادرًا ما يزور السائحون هذه المناطق الساحلية البعيدة شمال جزيرة بالي، والتي تعد من أفقر المناطق في الجزيرة , ويكسب أغلب سكان القرية الذين وُلدوا صما قوت يومهم من الرعي أو الحرف اليدوية، وقد يستأجرهم المزارعون لحراسة أراضيهم أو لحفر القبور.

ويقول وينسو مترجمًا عن عمه "كان عمي يكسب قوته في الماضي من استعراض حركاته القتالية , وقد التقى بالكثير من الصم الذين لم يتمكن من التواصل معهم لأنهم لا يعرفون لغة الإشارة المستخدمة في بنغكالا، وأحيانًا لا يفهمون أي لغة إشارة , ويشعر هؤلاء الصم بالوحدة لأنه لا يمكنهم التواصل إلا مع فرد أو اثنين من عائلاتهم".

اقرأ أيضا: "الصم والبكم" في أبي الجعد تستنكر حرمانها من حافلة البلدية

ويقول أي كيتوت كانتا، المتحدث باسم جمعية الصم بقرية بنغكالا "إذا شاء القدر أن تولد أصم، فإن هذه القرية هي أفضل مكان في العالم لتنشأ فيه" , وأينما توجهت في القرية ستجد مجموعات من الصم وسليمي السمع يتواصلون معا بلغة الكاتا كولوك، سواء في المدارس أو في المعبد المركزي أو في المقاهي، إذ تراهم ينخرطون في أحاديث صامتة بإيماءات رؤوسهم وحركات أيديهم، أو يلكزون بعضهم بعضا برفق ويتبادلون الضحكات.

وتطورت لغة الكاتا كولوك بشكل طبيعي، ويضيف إليها مستخدموها المبدعون من أبناء القرية باستمرار إشارات جديدة للتعبير عن تجارب ومعان لا تنتهي , ويبدو أن القرية أصبحت تعج بالممثلين الموهوبين، إذ يتفنن الكثير منهم في تمثيل المعاني بأيديهم وتعبيرات وجوههم، وهو ما يشيع جوًا من البهجة بين السكان ويساعد في توطيد علاقات الصداقة بين الصم وسليمي السمع.

يقول كانتا "يتقاضى الصم وسليمو السمع أجورًا متساوية عن الأعمال التي يؤدونها في القرية، لكن ليس من السهل أن يجد الصم عملًا خارجها , وأحيانًا لا تكفي أجور العمال، التي لا تتجاوز نحو 5 دولارات يوميا، لتلبية احتياجاتهم المعيشية" , واليوم استؤجر غيتار وأصدقاؤه لحفر مقبرة , ويحرق الهندوس في جزيرة بالي عادة جثث موتاهم، لكن الكثيرين في هذه المنطقة يدفنون الموتى حتي يدخروا النفقات باهظة التكاليف لمراسم حرق الجثث.

غير أن الجنازات في بالي تكاد تبعث على السرور , إذ يعتقد سكان بالي أن الروح إذا استشعرت حزنًا قد تحجم عن الانتقال إلى الحياة الأخرى , ولهذا لا يتخلى سكان بالي عن تلقائيتهم وخفة ظلهم المعهودة حتى في الجنازات , وقد لاحظت أن إيماءات وتعبيرات وجه غيتار وأصدقائه المضحكة وحركاتهم الهزلية أثناء حفر المقبرة لم تكن مستهجنة، حتى أن أفراد عائلة المتوفي كانوا يضحكون لضحكهم , وبعد إنزال الجثة في المقبرة، وضع سودارما، صديق غيتار، مرايا على عيني الميت، وبهذا يضمن أن الروح ستتمتع بنظر ثاقب في حياتها القادمة.

ويقول ويسنو "يُشاع أن الصُم لا يخافون لأنهم يمكنهم التواصل مع الأرواح الشريرة التي تسكن القبور , لكن الحقيقة أنهم ببساطة شديدو البأس ولا يهابون شيئًا" , ويرجع البعض شدة بأس الصم إلى أنهم يأمنون شر الأصوات المرعبة التي تصدر من القبور والأرواح الشريرة، والتي تؤرق أقرانهم من سليمي السمع , في حين يرى آخرون أن العمل اليدوي واحتياجهم للاعتماد على أنفسهم عندما يغادرون القرية أسهما في تقوية عزيمتهم , لكن أيًا كانت الأسباب، فإن الصم يحظون بتقدير واحترام أهالي القرية.

ويدرّس آي كيتوت كانتا لغة الكاتا كولوك للأطفال بالمجان , وقد زار كوني دي فوز، الباحث الهولندي من مركز الدراسات اللغوية بجامعة رادبود بهولندا، القرية أكثر من مرة، ويدعم جهود جمعية الصم في بنغكالا للمطالبة بحق الأطفال الصم في دخول المدارس الحكومية، وتدريس لغة الكاتا كولوك للأطفال سليمي السمع في المدارس.

وتحتضن القرية مركزًا للأعمال اليدوية يستقطب السياح الذين يأتون خصيصًا لمشاهدة عروض الفنون القتالية للصم، ورقصة , بخاصة تعرف باسم "جانغر كولوك"، والتي لاقت رواجًا في بالي، ويؤديها راقصون في فنادق ومؤتمرات حكومية , ويرى علماء اللغويات أن لغة الكاتا كولوك تختلف عن سائر لغات الإشارة. وتقول هنّا لوتزنبيرغر، طالبة الدكتوراة بحامعة رادبود، والتي تعرف لغة الكاتا كولوك عن ظهر قلب "لم تتأثر لغة كاتا كولوك لا باللغة الإندونيسبة ولا باللغة في جزيرة بالي ولا لغات الإشارة خارج القرية , ولعل أوضح مثال على ثراء لغة كاتا كولوك هو إشارات أسماء الصم، إذ ابتكر الصم إشارات لتعريف كل أصم في القرية. وقد تتغير هذه الإشارة في مختلف مراحل العمر. فهم يميزون كل أصم بإشارة ترتبط بمظهره أو بحركات دأب على فعلها حتى أصبحت عادة عفوية".

إذ يُعرف غيتار، على سبيل المثال، برفع الإبهام لأعلى وقبض اليد أمام الفم، لتبدو كالمنقار , ولاحظت أنه دأب على استخدام هذه الإشارة عند استعراضه حركات الفنون القتالية، وأعتقد أنها سترتبط في ذهني إلى الأبد بهذا الرجل البشوش , ومع أنه شارف الآن على الثمانين، إلا أن غيتار لا يزال يتولى مسؤولية صيانة أنابيب المياه، التي تعد شريان الحياة لهذه القرية التي تقع في الجزء الشمالي القاحل من جزيرة بالي , فإذا انكسرت إحدى الأنابيب، يذهب بنفسه للبحث عن موطن الكسر، وفي الغالب يكتشف أن السبب هو تعمد بعض المزارعين من القرى المجاورة سرقة المياه من الأنابيب لاستخدامهم الخاص.

ويقول غيتار مشيرًا بيديه وبنظرات حاسمة "أنا لا ألجأ لاستخدام العنف قط عندما أضبطهم متلبسين، لأنني لا أحتاج لذلك، فهناك قاعدة غير لفظية يعرفها الجميع هنا تمام المعرفة مفادها 'لا تفكر في الاشتباك مع أصم'".

قد يهمك أيضا: اللغة الروسية تدخل مناهج التعليم السورية وإنشاء مراكز لتدريسها حتى 2025

أمزازي يدرس تكوين المُعلّمين المغاربة في اللغة الإنجليزية

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغة لا يتحدثها سوى 44 شخصًا في العالم لغة لا يتحدثها سوى 44 شخصًا في العالم



GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 18:29 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 15:06 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالة أنيقة للفنانة المغربية دنيا بطمة تظهرها كالأميرات

GMT 09:13 2022 الإثنين ,10 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون دور توقيت العلاج المناعي بمواجهة السرطان

GMT 02:38 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

وصفة سهلة للحصول على شعر ناعم ومفرود دون عناء

GMT 03:33 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

زينة الداودية توجه رسالة خاصة للإعلامية آمال صقر

GMT 22:26 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

صراع مغربي جزائري لضم اللاعب زين الدين مشاش

GMT 20:13 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قناة أون بلس تقدم المسلسل المصري حلم الجنوبي من جديد

GMT 11:01 2015 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نصف انواع الاشجار في غابات الامازون في خطر

GMT 07:49 2016 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

المفاوضات السورية وآفاق السلام

GMT 14:27 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

حلويات رمضان2016: طريقة عمل الكنافة بالنوتيلا

GMT 14:35 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أرملة إيزيدية تتحدث عن قتل أطباء "داعش" لزوجها المصاب

GMT 09:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

وجدة تتصدر المدن الأفريقية من حيث عدد المساجد

GMT 21:12 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يفاوض الإسباني خوان كارلوس غاريدو

GMT 01:54 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تقنية "3D" تحدّد غموض مومياء فرعونية محنّطة منذ 2000 عام

GMT 06:56 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

فوز فتاة من بيلاروس بلقب ملكة جمال العالم على كرسي متحرك

GMT 08:51 2022 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

البرهان يكشف عن تسوية وشيكة لحل أزمة السودان بوساطة أممية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca