كلميم - صباح الفيلالي
لم يعد طبق "الكسكس" الذي برعت المرأة المغربية بالشمال كما الجنوب في إعداده، ذلك الطبق العادي الذي يتكون من نوع واحد من الدقيق بل أصبح بالأقاليم الصحراوية الجنوبية للملكة المغربية تتم صناعته عبر أكثر من نوع من الحبوب تصل إلى خمسة أنواع بل حتى ستة وبطرق تقليدية تحاكي مهارة الأجداد التي تحرص كل أم بهذه الأقاليم على تلقينها لابنتها، وبالتالي لم يعد إعداد الكسكس تقليدا وجب المحافظة عليه فحسب بل تحول إلى أكثر من ذلك إنها صناعة قائمة بذاتها أصبحت تعول عليها النساء اللواتي يعشن ظروفا اجتماعية ومادية صعبة لتحقيق استقلالية مادية.مخيلة المرأة الصحراوية وما اكتسبته من مهارات متوارثة عبر السنين ليس فقط ايام الترحال بل حتى وهي تنعم بحياة الاستقرار الشيء الذي جعلها تبدع نوع من العجائن عبر مواد أولية هي بالخصوص مواد فلاحية حصيلة زراعات مسقية أو بأراضي البور.ويتكون الكسكس من خمسة أنواع من الحبوب وهي القمح الطري والصلب، والشعير، والذرة، والسميد وهي عبارة عن حبات الشعير التي يتم تنظيفها وطحنها في مطحنة واستخراج الدقيق والسميد.وإنتاج الكسكس الخماسي أو ثلاثي وحتى السداسي يتم عبر مزج أو خلط هذه الأنواع السالف الذكر بالقليل من الماء وتحويله إلى حبات صغيرة يبلغ حجمها ما بين 1 إلى 1.5 ملمتر، وقبل ان يطهى بطريقة تقليدية لحوالي 20 دقيقة على البخار تأتي عملية التجفيف التي تتم عبر نشر حبيباته على ثوب رقيق ونظيف لكن هذه العمليات التي تأخد الكثيرة من الجهد والوقت تم الآن تعويضها بمجففات هوائية وأفرنة قائمة بذاتها.ولأن تصنيع وتسويق الكسكس هو بمثابة طوق النجاة بالنسبة للنساء في مناطق الواحات الجنوبية بالمغرب، فإن برنامج واحات الجنوب وشركاءه عملوا على مرافقتهن للحفاظ على هذا النشاط وتطويره مع تقديم النصح وتدريبهن ومنحهن معيدات للتجفيف جعل النساء المنضويات في إطار تعاونيات منتجة للكسكس يضمن نساء أخريات وبالتالي تجميع هذه العجائن في منتوجات موحدة ساهمت في الحصول على عائدات مالية أدت بهن إلى تحقيق منفعة اقتصادية.
وذلك عن طريق التعبئة والتغليف والتسويق، عبر وحدات إنتاج وتحويل عالية الجودة، ولأول مرة تتم يتم استعمال الطاقة الشمسية والغاز وتخضع هذه المنتجات المصنعة لمراقبة الجودة واحترام القواعد الأولية للسلامة الغذائية، حيث مكن هذا البرنامج نساء التعاونيات والجمعيات في وضع علامات بأسعار مناسبة على منتجاتهم من الكسكس الصحراوي وذلك في احترام تام لكل نصائح العلمية والعملية لصندوق تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.ولأن مكوناته الغذائية وجودته عالية جعلت الإقبال عليه كبيرا من طرف متذوقيه بالأقاليم الصحراوية وخارجها فإن السياح الأجانب المقيمين بالمغرب والذين يتوفرون على إقامات ومأوي سياحية جعلوه من أهم الأطباق التي يعولن عليها في جذب السائح الأجنبي، فإن هذا الأخير هو الآخر وتشجيعا لهذا المنتوج الذي يحترم ثقافة المنطقة جعلهم كذلك يشجعون على تجارته واستهلاكه لقيمته الغذائية وذلك من باب تحسين الظروف المعيشية.فاطمة امرأة في عقدها الخامس وهي رئيسة إحدى التعاونيات المختصة في هذا المجال اعترفت بكونها واجهت العديد من المشاكل في بداياتها لإنشاء تعاونية لكن سنة 2009 ستكون سنة فارقة فيس حياتها حيث تمكنت من تجاوز هذه الصعوبات بفضل الدعم الذي قدمه برنامج واحة الجنوب وبفضل دعم صندوق تحقيق الأهداف الإنمائية من اكتساب خبرات في الإدارة الذاتية والانفتاح على الأسواق وإجراء تكوين لفائدة المنخرطات معها كما أن تزويدها بآلة تجفيف مكنتها وزميلاتها من تصنيع منتج بجودة عالية وتسويقه على مستوى واسع.تصل التعاونيات او تجمعات الكسكس ذات المنفعة الاقتصادية في الواحات الجنوبية بكل من أسرير تغمرت تغجيجت وبإقليم طاطا بلمغرب إلى عدة تعاونيات تعمل على تسويقه وانتاجه للمساعدة في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمنضوين تحت لواء هذه التعاونيات، والبحث عن أسواق ومعارض خارجية، كما هو الشأن بمعرض الفلاحة بمكناس والذي كان ما تم تقديمه به وعرضه وإعداده من أطباق قد نال إعجاب الزائرين والمتذوقين.السعدية امرأة في الثلاثينيات مطلقة وأم لطفل معاق إعاقة ذهنية وحركية، استطاعت بفضل إتقانها لصناعة الكسكس الخماسي ومن خلال احتكاكها مع نساء أخريات لهن باع طويل في صناعته وإعداده إلى اكتساب خبرة مكنتها بوسائلها الذاتية البسيطة والعادية من أن تحصل على مورد رزق عن طريق إتباع الخطوات اللازمة لصناعته وبيعه بمسقط رأسها بالصويرة والحصول بالتالي على عائدات مالية مكنتها من تدبير أمورها الحياتية بشكل مستقل.هذه الظفرة النوعية مكنت النساء من الحصول على استقلاليتهن المالية والخروج إلى ميدان العمل بعدما كن في وقت سابق تحت سيطرة العقلية الذكورية والتقاليد وبمساعدة دعم صندوق برنامج الأهداف الإنمائية للألفية. تمكن من تحسين مهارتهن وضمان لقمة العيش والمشاركة في التنمية المستدامة في احترام تام لثقافة وتقاليد المنطقة. كما فتحت الباب على مصراعيه أمام العديد م النساء اللواتي انخرطن في جمعيات وجهزن ملفات مستوفية الشروط إلى الجهة المختصة من أجل الاستفادة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر